فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
وقوله: {وَإِنِ امرأة}: {امرأةٌ} فاعلٌ بِفعْلٍ مضمر واجب الإضْمَار، وهذه من باب الاشْتِغَال، ولا يجُوز رَفْعُها بالابْتداء، لأنَّ أداةَ الشَّرْطِ لا يَلِيها إلا الفِعْلُ عند جُمْهُور البَصْرِيِّين، خلافًا للأخفش، والكُوفيِّين، والتقديرُ: «وإنْ خافت امْرأةٌ خَافَتْ»، ونحوهُ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين استجارك} [التوبة: 6]، واستدلَّ البَصْرِيُّون على مَذْهَبهم: بأن الفعل قد جَاءَ مَجْزُومًا بعد الاسْمِ الوَاقِع بعد أداة الشَّرْط في قَوْل عديٍّ: [الخفيف]
وَمَتَى وَاغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّو ** هُ وَتُعْطَفْ عَلَيْه كَأسُ السَّاقِي

قال بعضهم: خافت، أي: عَلِمَت، وقيل: ظَنَّت.
قال ابن الخطِيب: ولا حَاجَة لِتَرْك الظَّاهر؛ لأن الخَوْف إنَّما يكون عند ظُهُور أماراتٍ تدلُّ عليه من جِهَة الزَّوْجِ، إمَّا قَوْلِيَّةٌ أو فِعْلِيَّةٌ.
قوله: {مِن بَعْلِها} يجوزُ أن يَتَعَلَّق بـ {خَافَت} وهو الظَّاهِر، وأن يتعلَّق بمَحْذُوف على أنه حَالٌ من: {نُشوزًا} إذ هو في الأصْل صِفَةُ نكرةٍ، فلمَّا قُدِّم عَلَيْها، تعذَّر جَعْلُه صِفَةً، فنُصِب حالًا، و«فلا» جَوَابُ الشَّرْطِ، والبَعْل: يطلق على الزَّوْج، وعلى السَّيِّد.
قوله: {أَن يُصْلِحَا} قرأ الكوفيون: {يُصْلِحا} من أصْلَح، وباقي السَّبْعة {يَصَّالحا} بتشديد الصَّاد بعدها ألف، وقرأ عثمان البتي والجَحْدَري: {يَصَّلِحا} بتشديد الصَّاد من غَيْر ألفٍ، وعبيدة السَّلَمَانِيّ: {يُصالِحا} بضمِّ الياءِ، وتخفيفِ الصَّادِ، وبعدَها ألفٌ من المُفَاعَلَة، وابن مَسْعُود، والأعْمش: {أن اصَّالحا}.
فأمّا قراءةُ الكوفيين فَوَاضِحَةٌ.
وقراءةُ باقي السَّبْعَة، أصلُهَا: «يتصالحا»، فأُريد الإدْغَام تَخْفِيفًا؛ فأبْدِلت التَّاءُ صادًا وأدْغِمت، كقوله: {ادّاركوا}.
وأمَّا قراءةُ عُثْمَان، فأصلُها: «يَصْطَلِحا» فَخُفِّفَ بإبْدَالِ الطَّاء المُبْدَلةِ من تاءِ الافْتِعَال صَادًا، وإدغامها فيما بَعْدَها.
وقال أبو البقاء: وأصله: يَصْتَلِحا فأبْدِلت التاء صَادًا وأدْغِمت فيها الأولَى وهذا ليس بِجَيِّدٍ، لأنَّ تاءَ الافْتِعَال يجبُ قَلْبُها طاءً بعد الأحْرُف الأرْبَعَة؛ كما تقدَّم تَحْقِيقُه في البَقرة، فلا حَاجَة إلى تَقْديرهَا تاءً؛ لأنه لو لُفِظ بالفِعْلِ مظهرًا لم يُلْفظ فيه بالتَّاء إلا بَيانًا لأصْلِه.
وأمَّا قراءةُ عُبَيْدة فواضحةٌ؛ لأنها من المُصَالَحة.
وأما قِرَاءة: يَصْطَلِحَا فأوضحُ، ولم يُخْتَلَفْ في {صُلْحًا} مع اختلافِهِم في فِعْلِهِ.
وفي نصبه أوجهٌ:
فإنه على قِرَاءة الكوفيين: يَحْتمل أن يكُونَ مَصْدَرًا، وناصبُه: إمَّا الفِعْلُ المتقدِّمُ وهو مَصْدَرٌ على حَذْف الزَّوَائِد، وبعضُهم يعبِّر عنه بأنه اسْمُ مَصْدرٍ كالعَطَاءِ والنَّبَات، وإمَّا فِعْلٌ مقدرٌ أي: فيُصْلِحُ حَالَهُما صُلْحًا.
وفي المَفْعُولِ على هذين التَّقْدِيرين وَجْهَان:
أحدُهما: أنه {بَيْنَهُمَا} اتُسِّع في الظَّرْف فجُعِل مَفْعُولًا به.
والثاني: أنه مَحْذُوف و{بينهما} ظرفٌ أو حَالٌ مِنْ {صلحًا} فإنه صِفةٌ له في الأصْلِ، ويُحْتمل أن يكُونَ نصبُ {صُلْحًا} على المَفْعُول به، إن جَعَلته اسمًا للشيء المُصْطَلح عليه؛ كالعَطَاء بِمَعْنَى: المُعْطى، والثبات بِمَعْنَى: المُثْبَت.
وأمَّا على بقيةِ القِراءاتِ: فيجوزُ أنْ يكونَ مَصْدَرًا على أحدِ التَّقْديرين المتقدمين: أعني: كونَه اسمَ المصدرِ، أو كونَه على حَذْفِ الزَّوَائِد، فيكون وَاقِعًا موقع «تَصَالَحَا، أو اصْطِلاَحًا، أو مصالحةً» حَسْبَ القِرَاءات المتقدِّمة، ويجوزُ أنْ يكون مَنْصُوبًا على إسْقَاطِ حرفِ الجَرِّ، أي: بصُلْحِ، أي: بشيء يَقعُ بسببِ المُصَالَحة، إذا جَعَلْناه اسْمًا للشَّيْءِ المُصْطَلَح عليه.
والحاصلُ أنه في بَقِيَّة القراءات يَنْتَفي عنه وَجْهُ المَفْعُولِ به المَذْكُورِ في قِرَاءة الكوفِيِّين، وتَبْقَى الأوْجُهُ البَاقِيةُ جَائِزةً في سائر القِراءاتِ.
قوله: {والصُّلْحُ خيرٌ}: مبتدأ وخبر، وهذه الجُمْلَة قال الزمخشري فيها وفي التي بعدها: «إنهما اعْتِرَاضٌ» ولم يبيِّنْ ذلك، وكأنه يُريد أنَّ قوله: {وإنْ يتفرَّقا} مَعْطُوفٌ على قوله: {فَلاَ جُنَاْحَ} فجاءت الجُمْلَتانَ بينهما اعْتِرَاضًا؛ هكذا قال أبو حيَّان.
قال شهاب الدين: وفيه نظر، فإن بَعْدهما جُمَلًا أخَرَ، فكان ينبغي أن يَقُول الزَّمَخْشَرِي في الجَمِيع: إنها اعْتِرَاضٌ، ولا يَخُص: {والصُّلْح خَيْر}، وأُحْضِرَت الأنفسُ الشُّح بذلك، وإنما يُرِيد الزَّمَخْشَرِيُّ بذلك: الاعتراض بَيْن قوله: {وإن امْرَأةٌ} وقوله: {وَإِن تُحْسِنُواْ} فإنهما شَرْطَان متعاطفانِ، ويَدُلُّ عليه تَفْسِيرُه له بما يُفِيدُ هذا المَعْنَى، فإنه قال: «وإن تحسنُوا بالأقَامَة على نِسَائِكُم، وإن كَرِهْتُموُهن وأحببتم غَيْرَهُن، وتتقوا النُّشوزَ والإعْرَاض» انتهى.
قوله: {وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح} «حَضَر» يتعدى إلى مَفْعُول، واكتسب بالهمزة مفعُولًا ثانيًا، فلمَّا بُني للمفعُول، قامَ أحدهما مقام الفاعل، فانتصب الآخرُ، والقائمُ مقام الفاعِلِ هنا يَحْتمل وجهين:
أظهرهما- وهو المشهُورُ من مذاهب النُّحَاة-: أنه الأول وهو «الأنْفُسُ» فإنه الفاعِل في الأصْلِ، إذ الأصْل: «حَضرت الأنْفُسُ الشُحَّ».
والثاني: أنه المفعُول الثاني، والأصل: وحضر الشُحُّ الأنْفُسَ، ثم أحْضَر اللَّهُ الشُحَّ الأنْفُسَ، فلما بُنِيَ الفِعْل للمفعُول أقيم الثانِي- وهو الأنْفُسُ- مقامَ الفَاعِلِ، فأخِّر الأوَّل وبقي منصوبًا، وعلى هذا يَجُوز أن يُقَال: «أُعْطِي درهمٌ زَيْدًا» و«كُسِي جُبَّة عَمرًا»، والعَكْس هو المشهُورُ كما تقدَّم، وكلامُ الزَّمَخْشَرِي يَحْتمل كَوْنَ الثاني هو القَائِم مقام الفاعل؛ فإنه قال: ومعنى إحْضَارِ الأنْفُس الشُحَّ: أنَّ الشُحَّ جُعِل حَاضِرًا لها، لا يَغِيب الفاعل؛ فإنه قال: «ومعنى إحْضَارِ الأنْفُسِ الشُحَّ: أنَّ الشُحَّ جُعِل حَاضِرًا لها، لا يَغِيب عنها أبدًا ولا يَنْفَكُّ» يعني: أنها مَطْبُوعةٌ عليه، فأسْنِد الحضور إلى الشُحِّ كما ترى، ويحتمل أنه جعله من باب القلْب، فنسب الحُضُورَ إلى الشُحِّ، وهو في الحقيقة مَنْسُوبٌ إلى الأنْفس.
وقرأ العَدَوِي: {الشِّحَّ} بكسر الشين وهي لُغَة، والشُّحُّ: البُخْل مع حرص؛ فهو أخَصُّ من البُخْل. اهـ. بتصرف يسير.

.تفسير الآية رقم (129):

قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه وتعالى أن الوقوف على الحق فضلًا عن الإحسان- وإن كانت المرأة واحدة- متعسر، أتبعه أن ذلك عند الجمع أعسر، فقال تعالى معبرًا بأداة التأكيد: {ولن تستطيعوا} أي توجدوا من أنفسكم طواعية بالغة دائمة {أن تعدلوا} أي من غير حيف أصلًا {بين النساء} في جميع ما يجب لكل واحدة منهن عليكم من الحقوق {ولو حرصتم} أي على فعل ذلك، وهذا مع قوله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} [النساء: 3] كالمختم للاختصار على واحدة.
ولما أخبر سبحانه وتعالى بأن لا يخلو نكاح العدد عن ميل، سبب عنه قوله: {فلا} أي فإن كان لابد لكم من العدد، أو فإن وقع الميل والزوجة واحدة فلا {تميلوا} ولما كان مطلق الميل غير مقدور على تركه فلم يكلف به، بين المراد بقوله: {كل الميل} ثم سبب عنه قوله: {فتذروها} أي المرأة {كالمعلقة} أي بين النكاح والعزوبة والزواج والانفراد.
ولما كان الميل الكثير مقدورًا على تركه، فكان التقدير: فإن ملتم كل الميل مع إبقاء العصمة فإن الله كان منتقمًا حسيبًا، عطف عليه قوله: {وإن تصلحوا وتتقوا} أي بأن توجدوا الإصلاح بالعدل في القسم والتقوى في ترك الجور على تجدد الأوقات {فإن الله} أي الذي له الكمال كله {كان غفورًا رحيمًا} أي محّاء للذنوب بليغ الإكرام فهو جدير بأن يغفر لكم مطلق الميل، ويسبغ عليكم ملابس الإنعام. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء وَلَوْ حَرَصْتُمْ}
فيه قولان: الأول: لن تقدروا على التسوية بينهن في ميل الطباع، وإذا لم تقدروا عليه لم تكونوا مكلفين به.
قالت المعتزلة: فهذا يدل على أن تكليف ما لا يطاق غير واقع ولا جائز الوقوع، وقد ذكرنا أن الإشكال لازم عليهم في العلم وفي الدواعي.
الثاني: لا تستطيعون التسوية بينهن في الأقوال والأفعال لأن التفاوت في الحب يوجب التفاوت في نتائج الحب، لأن الفعل بدون الداعي ومع قيام الصارف محال. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل} أخبر تعالى بنفي الاستطاعة في العدل بين النساء، وذلك في ميل الطبع بالمحبة والجماع والحظ من القلب.
فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض؛ ولهذا كان عليه السلام يقول: «اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» ثم نهى فقال: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل}.
قال مجاهد: لا تتعمدوا الإساءة بل الزموا التسوية في القسم والنفقة؛ لأن هذا مما يستطاع.
وسيأتي بيان هذا في «الأحزاب» مبسوطًا إن شاء الله تعالى.
وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهِيك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له امرأتان فلم يعدِل بينهما جاء يوم القيامة وشقّه مائل». اهـ.

.قال الفخر:

المعنى أنكم لستم منهيين عن حصول التفاوت في الميل القلبي لأن ذلك خارج عن وسعكم، ولكنكم منهيون عن إظهار ذلك التفاوت في القول والفعل.
روى الشافعي رحمة الله عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم ويقول: «هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك».
ثم قال تعالى: {فَتَذَرُوهَا كالمعلقة} يعين تبقى لا أيما ولا ذات بعل، كما أن الشيء المعلق لا يكون على الأرض ولا على السماء، وفي قراءة أبي: فتذروها كالمسجونة، وفي الحديث: «من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل» وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال فقالت عائشة: إلى كل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمر بمثل هذا؟ فقالوا: لا، بعث إلى القرشيات بمثل هذا، وإلى غيرهن بغيره، فقالت للرسول ارفع رأسك وقل لعمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا قي القسمة بماله ونفسه، فرجع الرسول فأخبره فأتم لهن جميعًا. اهـ.